الباب العشرون
في العلم العيسويّ ومن أين جاء وإلى أين ينتهي
وكيفيته وهل تعلق بطول العالم أو بعرضه أو بهما
علم عيسى هو الـذي | | تجهل الخلـق قـدره |
كان يحيى بـه الـذي | | كانت الأرض قبـره |
قاوم النفـخ إذن مـن | | غاب فـيه وأمــره |
أن لاهـوتـه الـذي | | كان في الغيب صهره |
هو روح مـمـثــل | | أظهر الـلـه سـرّه |
جاء من غيب حضرة | | قد محا الـلـه بـدره |
صار خلقاً من بعدمـا | | كان روحـاً فـغـرّه |
وانتهـى فـيه أمـره | | فحـبـاه وســـرّه |
من يكن مثلـه فـقـد | | عظم الـلـه أجـره |
اعلم أيدك الله أن العلم العيسوي هو علم الحروف
ولهذا أعطى النفخ وهو الهواء الخارج من تجويف القلب الذي هو روح الحياة
فإذا انقطع الهواء في طريق خروجه إلى فم الجسد سمي مواضع انقطاعه حروفاً فظهرت أعيان الحروف فلما تألفت ظهرت الحياة الحسية في المعاني
وهو أول ما ظهر من الحضرة الإلهية للعالم
ولم يكن للأعيان في حال عدمها شيء من النسب إلا السمع
فكانت الأعيان مستعدة في ذواتها في حال عدمها
لقبول الأمر الإلهيّ إذا ورد عليها بالوجود
فلما أراد بها الوجود قال لها كن فتكوّنت وظهرت في أعيانها
فكان الكلام الإلهيّ أوّل شيء أدركته من الله تعالى بالكلام الذي يليق به سبحانه
فأوّل كلمة تركبت كلمة كن وهي مركبة من ثلاثة أحرف كان وواو ونون
وكل حرف من ثلاثة فظهرت التسعة التي جذرها الثلاثة
وهي أول الأفراد وانتهت بسائط العدد بوجود التسعة
من كن فظهر بكن عين المعدود والعدد
ومن هنا كان أصل تركيب المقدمات من ثلاثة
وإن كانت في الظاهر أربعة فإن الواحد يتكرر في المقدمتين فهي ثلاثة
وعن الفرد وجد الكون لا عن الواحد
وقد عرفنا الحق أن سبب الحياة في صور المولدات إنما هو النفخ الإلهي
في قوله فإذا سويته ونفخت فيه من روحي وهو النفس الذي أحيى الله به الإيمان فأظهره قال صلى الله عليه وسلم إن نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن
فحييت بذلك النفس الرحماني صورة الإيمان
في قلوب المؤمنين وصورة الأحكام المشروعة
فأعطى عيسى علم هذا النفخ الإلهي ونسبته
فكان ينفخ في الصورة الكائنة في القبر
أو في صورة الطائر الذي أنشأه من الطين
فيقوم حيا بالأذن الإلهي الساري في تلك النفخة وفي ذلك الهواء
ولولا سريان الأذن الإلهيّ فيه لما حصلت حياة في صورة أصلاً
فمن نفس الرحمان جاء العلم العيسوي إلى عيسى
فكان يحيي الموتى بنفخه عليه السلام
وكان انتهاؤه إلى الصور المنفوخ فيها
وذلك هو الحظ الذي لكل موجود من الله
وبه يصل إليه إذا صارت إليه الأمور كلها
وإذا تحلل الإنسان في معراجه إلى ربه
وأخذ كل كون منه في طريقه ما يناسبه
لم يبق منه إلا هذا السر الذي عنده من الله
فلا يراه إلا به ولا يسمع كلامه إلا به
فإنه يتعالى ويتقدس أن يدرك إلا به
وإذا رجع الشخص من هذا المشهد
وتركبت صورته التي كانت تحللت في عروجه
وردّ العالم إليه جميع ما كان أخذه منه مما يناسبه
فإن كل عالم لا يتعدّى جنسه فاجتمع الكل على هذا السرّ الإلهي
واشتمل عليه وبه سبحت الصورة بحمده
وحمدت ربها إذ لا يحمده سواه
ولو حمدته الصورة من حيث هي لا من حيث هذا السر
لم يظهر الفضل الإلهيّ ولا الامتنان على هذه الصورة
وقد ثبت الامتنان له على جميع الخلائق
فثبت أن الذي كان من المخلوق لله من التعظيم والثناء
إنما كان من ذلك السرّ الإلهيّ
ففي كل شيء من روحه وليس شيء فيه
فالحق هو الذي حمد نفسه وسبح نفسه
وما كان من خير إلهيّ لهذه الصورة عند ذلك التحميد والتسبيح
فمن باب المنة لا من باب الاستحقاق الكونيّ
فإن جعل الحق له استحقاقاً فمن حيث أنه أوجب ذلك على نفسه
فالكلمات عن الحروف والحروف عن الهواء
والهواء عن النفس الرحماني
وبالأسماء تظهر الآثار في الأكوان وإليها ينتهي العلم العيسوي
ثم إن الإنسان بهذه الكلمات يجعل الحضرة الرحمانية
تعطيه من نفسها ما تقوم به حياة ما يسأل فيه بتلك الكلمات
فيصير الأمر دورياً دائماً