اللقاء الأول

موضوع: اللقاء الأول الجمعة يناير 11, 2008 5:30 am

لعل من أهم القصص النورانى فى تاريخ التصوف..صحبة مولانا جلال الدين الرومى..لذلك الدرويش القلندرى ..مولانا شمس الدين تبريزى..

ولكن كيف كان اللقاء الأول بين هذين القطبين

كيف كان الانجذاب..والسمو فى سموات العرفان اللامتناهية..

يروى الأفلاكى عن هذا اللقاء فيقول:

كان ذلك فى يوم السبت السادس والعشرين من جمادى الآخرة عام 642 هجريا.

كان مولانا الرومى خارجا من مدرسته..وكان يمر امام خان "شكر ريزان" وكان شمس الدين نازلا فيه..ويبدو أنه كان واقفا آنذاك على الباب, فتقدم الى الموكب وأمسك بعنان مطية جلال الدين وقال:

يا امام المسلمين..هل ابو اليزيد البسطامى أعظم أم محمد؟!

ومن هيبة هذا السؤال خيل لمولانا أن السموات السبع قد تفطرن وسقطن فوق الأرض..واندلعت نار عظيمة فى الرأس ومنها خرج دخان وصل الى قاعدة العرش!!

فأجاب مولانا:وأى موضع لأبى يزيد الى جوار أعظم العالمين..

فقال شمس الدين:اذن فلماذا قال مع كل عظمته..ما عرفناك حق معرفتك؟..بينما قال أبو اليزيد سبحانى ما أعظم شأنى؟؟

قال مولانا:ان أبا اليزيد سكر من جرعة واحدة وتحدث حديث الشبع..وامتلأ وعاء ادراكه بهذا القدر..وكان ذلك النور قدر كوة داره.

لكن سيدنا المصطفى..صار صدره الشريف أرض الله الواسعة..مصداقا لقول ربه "ألم نشرح لك صدرك"فلا عجب اذا تحدث عن الظمأ وكان كل يوم يستزيد ربه..

ولتعلم..أن دعوى البسطامى عظيمة..لأنه حين وصل الى الحق وجد نفسه ممتلئا..فقال سبحانى..وليته نظر الى ما هو أبعد.

لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم..كان يرى كل يوم أكثر..وأكثر ويمضى فى الطريق..فكان يرى عظمة الحق وقدرته وحكمته يوم بعد يوم وساعة بعد ساعة أكثر وأكثر.

ومن هنا قال: ما عرفناك حق معرفتك.

وصرخ مولانا شمس الدين فى الحال صرخة عظيمة وسقط مغشيا عليه!

فنزل مولانا من فوق مطيته..وأمر تلاميذه بحمله الى مدرسته..ويروى أنه وضع رأسه على ركبتيه ليفيق..

ثم أخذ بيده وسارا معا..ومكثا فى خلوة مستمرة ذات صوم متصل لمدة تسعين يوم..لم يخرجا منها..

ولكن ماذا دار فى هذه الخلوة؟؟

يقول الأفلاكى..عشرات الألاف من الأسئلة..والأجوبة والاختبارات العجيبة التى كان يطرحها شمس الدين..

ولكن ما طبيعة هذه الأسئلة والمكابدات التى دارت بينهما ..لم يعرف احدا ذلك ..

يشبه( سلطان ولد) وهو ابن مولانا جلال الدين هذا اللقاء..بلقاء موسى والخضر ولا يزيد!

ولمولانا جلال الدين مع شمسه المرشدة شمس الدين ..حكايات تطول..وتمتد عبر الأزمان بهية مشرقة..

ولكن هكذا..كان اللقاء الأول!

كان..مولانا شمس الدين يناجى ربه قائلا:

ياربى لا يوجد مخلوقا من خواصك يحتمل صحبتى!

وفى الحال وصله هاتف من المغيب اذا كنت تريد من هو جدير بصحبتك..فارحل الى أرض الروم..

ويقول..كان لى شيخا فى تبريز يسمى ابو بكر..لقد وجدت منه كل الولايات..لكن كان بداخلى شئ لم يكن شيخى يراه..ولم يكن أحد قط رآه..ولقد رأى مولانا (يعنى الرومى) ذلك الشئ فى الحال..

ولابد أن الأمر كان كذلك بالنسبة لمولانا جلال الدين..فحين تلتقى الأرواح..يذوب كل ما دونها..فلا يكون فى اللقاء اختيار..أو ارادة

غيبة شمس الدين..

ثار تلاميذ مولانا جلال الدين لأن أستاذهم انصرف عنهم..وثارت غيرتهم..على شيخهم الذى تحول من أستاذ الى مريد..لم يستطيعوا فهم هذا..

ولم يخل الأمر من بعض الشيوخ الآخرين الذين استغلوا ما حدث للتشكيك فى مكانة مولانا..

وهكذا بدأ التلاميذ..وبالطبع اندس بينهم بعض السوقة فى التحرش بذلك الدرويش الغريب..شمس الدين.

وفى يوم الخميس 21شوال 643 هجريا..

اختفى شمس الدين تماما..من المدينة..لكن مولانا جلال الدين لم يعد مولانا جلال الدين!

فها هو يبحث ويتفحص حتى يعلم انه فى دمشق..فتتوالى الرسائل..

وفى أحدها يقول:

أيها النور فى الفؤاد تعال..غاية الوجد والمراد تعال.

لم يسكت مولانا على غيبة شمس الدين ..أنه يدرك أنه لم يأخذ بغيته من هذا البحر العباب..

ولما كان مولانا قد هجر مدرسته وتلاميذه..بدأ تلاميذه يشعرون بالندم..وعرفوا أن ما فعلوه لم يرد اليهم أستاذهم..بل على العكس.

وتتوالى فصول الحكاية..حكاية النور..والفناء..شمس الدين وجلال الدين..

فى نهاية الأمر أرسل مولانا جلال الدين ولده سلطان ولد الى دمشق..معتذرا عن المريدين لشمس الدين..وعاد شمس الدين بعد أن أسبغ على سلطان ولد من هداياه الروحية..

كان ذلك فى المحرم من 645هجريا..

لكن ..اقامة مولانا شمس الدين..لم تطل هذه المرة..فقد اشتعلت الكثير من الفتن..فقد

اندس الوشاة والشيوخ الحاقدين وأشاعوا لدى العامة والغوغاء أن شمس الدين مجرد ساحر!!

واختفى الدرويش الغريب مولانا شمس هذه المرة تماما..ذهب وذهبت القلوب فى اثره.

كان بداخل مولانا جلال الدين شئ يوحى اليه أنه لن يرى حبيبه الغائب فى هذه الدنيا..

فيقول:

ليست ترابا هذه الأرض ..انها طست من الدم

من دماء العاشقين..وجراح موت العظام..

ويحكى أن مولا نا سافر الى سوريا..وعاد خائبا..شعر أنه فارق العالم بهيكله..ولكن ظلت روحه تسكن مولانا الرومى..فيقول.."وأحس بشمس الدين داخلى ساطعا كالقمر"

ولأنه سكن معه بقى معه للأبد فى كل بيت من أبيات المثنوى..فى كل شروق وغروب للشمس..

لكن ترى مالذى حدث لمولانا شمس الدين تبريزى..ما الذى علمه مولانا ولم يقو على قوله..

يروى الأفلاكى رواية ظلت مجال شك الباحثين لفترة طويلة..

يقول: انه فى ليلة الخامس من شعبان عام 645هجريا..

كان كان مولانا وشمس الدين يتحدثان الى وقت متأخر من الليل فى مدرسته..ودق الباب..

فخرج شمس الدين لبعض شأنه..فكان أن تناوبته خناجر سبعا من الغوغاء..وحملت جثته فالقيت الى بئر بجوار المنزل..........

فعلم بذلك ابن مولانا جلال الدين ,سلطان ولد.

فكان أن أخرج الجثة من البئر ودفنها فى قبر قريب..ودهنها بالجص ثم غطاها بالتراب!!

ولم يخبر أباه.. ولكن مولانا عرف بذلك..ويقال انه لم يغفرها لابنه..ولم يلتفت اليه بعدها..

ويبقى فى الأمر لغزا محيرا..

وقد أثبت صحة تلك الرواية الحفريات التى قام بها محمد أندر مدير متحف مولانا..حيث عثر على قبر من الجص واسع الى حد ما يرجع الى الفترة عينها..فى المكان المذكور..

هكذا توارى شمس الدين بجسده فقط..لكن مولانا أحياه فى روحه ولم يقعد عن ذكره طوال حياته..فقد كان شمسه المرشدة الى الحقيقة..ويكفى أنه سمى ديوانه الأكبر بديوان شمس الدين..فكل ما كانت تجود به تلك الحقيقة ..كان يدرك مولانا أنها من عطايا مرشده الذى لم يغب عنه يوما شمس الدين تبريزى.....

يقول مولانا..

من الذى قال مات ذلك الخالد ابدا..

من الذى قال ماتت شمس الأمل..

انه عدو للشمس صعد الى السطح..

وأغمض عينيه وقال ماتت الشمس..

سلاما على مولانا الرومى أول الدراويش..

وسيد العشاق..ولحن العرفان الملائكى..

» الدعاء الأول من الصحيفة السجادية
» اللهم صلي على سيدنا محمد من جمعت الفضل الأول والأخر