هذا هو سلفادور فيليب ياسينتو دالي، او دالي العبقري،
او المجنون العبقري، او الوصولي بأي ثمن،
او المهرج الذي يرفض صفة البهلوان، وهنا
، لا فرق دقيقا بين البهلوان والمهرج،
كما يحب دالي ان يوحي" انا خال من العيوب،
انا السوريالي الوحيد غير المنتمي،
لم ينجح لا اليمين ولا اليسار في إغوائي".
ودالي الشامخ الصارخ بجنون اللوحة،
المطل بشواربه وثيابه الغريبة عبر اللحظة، او عبر الغواية المدهشة،
متخرج من الأكاديمية الملكية الأسبانية، في سان فرناندو،
وأكاديمية الفنون الجميلة في فرنسا،
والحائز على رتبة كوماندو للفنون والآداب في فرنسا عام 1904،
يعتبر ظاهرة متميزة في عوالم السريالية التي تقوم على رفض المفاهيم المنطقية والعقلانية في محاولتها التخلص من الرؤية التقليدية.
أخذت دلالتها الخاصة بعد ان أسس الشاعر اندريه بروتون ولويس اراغون وفيليب سوبو مجلة( الأدب) عام 1919 وصدور البيان السريالي الأول عام 1924 لتكون تيارا فكريا في مجالي الأدب والفن.
شارك دالي بفعالية كبيرة باستنباط الإلية لتقريب العناصر الأكثر تباينا ،
مانحا الصدفة معنى جديدا من خلال استخداماته لحالات النشوة والحلم ومجاورة كل ما هو غير مألوف في الحياة البشرية،
في أسلوب أطلق عليه" بارانويا التفكير الانتقادي" الذي تحول عنده الى طريقة لكشف الأفكار التي تستحوذ عليه
يقول دالي" لكي ترسم يجب ان تكون مجنونا.
فانا أؤمن باني أعظم رسامي عصري، او على الأصح،
انهم أسوأ مني على اية حال" انه يجسم اللامعقول بصورة معقولة،
فهنا صورة فاجعة للحرب الأهلية الأسبانية،
وهنا زمن يسيل على امتداد الصحراء، هنا وهناك في التفاصيل التي ترمز لها اللوحة، وجه دالي ووجده الفني حد التخمة في مزاولة الإبداع ،
فهو يقول" الرسم الحقيقي يبدأ مع اكتشاف الطرق الكلاسيكية لمزج الألوان والزيوت،
وانا أحب في الكلاسيكيين الإحساس بالموت والاهتمام بالجنس،
ولا يهمني طريقتهم في الرسم":
يتبين من هذه المقولات وغيرها، التغير الحاسم من الفن،
بخلق اهتمامات جديدة ومصادر الهام جديدة وجدها بروتون في اللاوعي والتحليل النفسي للأحلام والتخيلات، فقد انقطعت الكثير من التقاليد الفنية التي تربط الفن ببعض التماثل مع المنظر الواقعي والإنسان،
فالرسام في مراحل دالي الاولى،
شعر بالتحرر وان كان مستمرا في التفكير بوعي وعقلانية،
الا ان اللاشعور واللاعقلانية أصبحت متسيدة لتقيم عالمها من خلال الاستغلال البارع للخامات. فنجد اللاشعور يتسيد بعد ان أكد سيجموند فرويد بان الحضارة الإنسانية تقمع الشهوات الملحة وتلغي الرغبات الممتعة وتحد من المسموح به في دائرة الجنسانية.
نجد اللاشعور الباطني يعمل بـ"الغريزة"
حين يكون العقل غائبا عن الأشياء التي تحيطنا بروحية خاصة بها،
وهنا يقف مبدأ التحرر في رؤية الإنسان الذي حمله فن" اللاشعور"
اذ ان العقل والواقع السائد هو اللاشعور ،
وهو كما طوره يونغ قائم في ان قوانين اللاشعور تتكون من الأساطير والذكريات الجنسية وأمور لا عقلية متوارثة من الحياة البدائية للإنسان.
وهكذا يعلن الفنان السريالي انه يرسم رموز الأحلام انما يحرر نفسه من رقابة ومن قمع المجتمع،
وايضا من هيمنة العقل للتحول بالإيمان بسلطة الحلم المطلقة والتعبير اللاإرادي كما يمليه اللاوعي.
لقد اخضع دالي القيم التشكيلية لغاية جديدة بعد ان تأثر بفكر الفيلسوف الألماني نيتشه" انا اكتب وأعيش واعبر عن سحري،
السحر الذي ينبع مني حين أرى شيئا،
وأصور شيئا آخر" ومن خلال نيتشه تعرف على السينمائي بونويل،
واخرج معه الفيلم السوريالي" الكلب الاندلسي" و"العصر الذهبي"
وفي معظم أعماله الفنية اعتمد التلقائية الآلية التي يمليها اللاوعي والاكتشاف الحلمي للشكل، مع ان معظم هذه الأعمال التي تبدو وكأنها نقلت من خلال مرآة تبددت طبيعة الصورة الإنسانية لتمنحها مظاهر اعوجاجية مموهة للتعبير غير المباشر ،
عن طريق الاستعارة الرمزية.
فهو سعى لتحرير المخيلة من روابط العقل والاصطلاح او تلك التي يقدمها العالم المرئي من التاريخ والأسطورة والدين،
بل عمد الى الاستنباط الشكلي واستخدم تقنية خاصة بهيكلية قائمة على الايهامات منبثقة لا عن الإدراك البصري بل عن سمات التخيل اللاواعي وهو ما يسمية بروتون وحدة الإيقاع الناتجة عن وجود صلة بين الصدفة والآلية التي طالبت بها السريالية .