وفي الابتداء نذكِّر بخَبَرٍ من أخبار المصطفى، صلَّى الله عليه وسلَّم،
ذلك البشيرُ النذيرُ، وذلك النذيرُ الذي ليس له نظير .
سيِّدُ المرسلين،
مصباح السماوات والأرضين.
لقد جاء في أصحِّ الأنباء عن أفصح الأنبياء،
عليه أفضلُ الصَّلوات وأعلاها وأكمل التحيّات وأسناها،
أنَّه قال:
((كسادُ أُمَّتي عند فَساد أُمَّتي،
إلاّ مَنْ تمسَّك بسُنَّتي عندَ فساد أُمَّتي فلَهُ أجْرُ مئةِ ألْفِ شهيد)).
صدق رسولُ الله.
رسولُ الكونَيْن، إمامُ الثَّقَلَيْن،
خاصُّ خاصِّ ((لَعَمْرُكَ)) ،
مُشَرَّفُ تشريفِ ((لولاك)) ،
فصيحُ ((أنا أفصَحُ العرب والعجم)) .
مقدَّمُ ((آدَمُ ومَنْ دونَه تحتَ لوائي يوم القيامة ولا فخر، الفقرُ فخري))
هكذا يقول: إنَّ كساد أُمَّتي إنما يكون إبّانَ فساد أمَّتي.
يعني أنَّه: ليس ثمَّة نبيٌّ بعدي تفضُلُ أمَّتُه أمَّتي.
كما فضَلَتْ أمَّتي أمَّةَ عيسى وموسى؛
وليس ثمَّة دينٌ ينسخُ ديني ويُبطله،
مثلما نسَخ ديني الأديانَ المتقدِّمة.
قالوا: يا رسولَ الله، وبأيّ شيء تكسدُ أمَّتُك؟ .
فقال: عندما تبدأ أمَّتي بالفساد،
فإنَّ هذا الشَّرَفَ الذي نالَتْه وهذه الخِلْعةَ من أطلس التقوى
الذي ارتدته الذي يتلألأ في الكونَيْن
: ، وَلِباسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ، [الأعراف: 7/26]،
عندما يصّاعَدُ دخانُ المعصية،
تُبدَّلُ تلك الخِلْعةُ من أطلس السماء،
وذلك التَّشريفُ الدِّيباجيُّ المحمَّديّ،
ويتلوَّثان بالدُّخان، ويكسدان.
فقالوا: يا رسولَ الله، عندما تتلوَّث بالدُّخان
وتكسد وبسبب دخان المعصية تغدو عديمةَ القيمة والقَدْر .
فإنَّ مشتري {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 9/111] لا يشتري،
ولا يعطي أيّ ثمنٍ لبضاعة أعمالهم التي غدَتْ كاسدةً.
ولا يقدِّم أجْرَ {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} [فاطر: 35/30]،
يبقون بلا قيمة وكاسدين، فيتضرَّعون. شعر:
مَثَلُ بائعِ الثَّلج في نيسابور،
إنَّ مثَلَكَ في دار الغرور
وليس ثمّةَ شارٍ،
وهو رجلٌ درويش، في حرِّ تمّوز وضَعَ أمامه قطعة الثلج
بقَلْبٍ متألِّمٍ وحَسْرة،
وقد ذابت قطعةُ الثَّلْج من الحرِّ،
والرَّجلُ لم يبق إلاّ القليل، ولم يشتر أحد.
كان يقول والدَّمع قَد انحدر من عينيه:
قالوا: إذا كسد ثَلْجُ وجودِنا هذا،
وذابَ بتأثير حرارة شمس المعصية،
فما حيلتُنا، نحن بائعي الثَّلج،
حتى يكتسب متاعُنا من جديد قيمةً،