إن للدكتور مصطفى محمود مع الشيخ النفّرى جولات كثيرة ،
وكتب الدكتور مصطفى مقالة تحت عنوان " مذهب النفّرى فى المعرفة الإلهية " فى كتابه الرائع " رأيت الله " . يقول :-ــ
لا ينفرد النفّرى بمذهب خاص للمعرفة الإلهية ، فهو يسلك الدرب نفسه الذى يسير عليه عموم الصوفية ولكنه ينفرد بقدرة مذهلة على التعبير ولغة ملتهبة تكاد تكون نسيجاً متميزاً بين لغات المتصوفة ، فالكلمات تكتسب فى يده طوتعية ومرونة وشفافية وتتفجر بأعماق جديدة من الحقائق وكأنما يكتب من نبع صاف ويدلى بدلوه فى عين ارئعة من عيون الحكمة الربانية .
نحن أمام دليل ماهر يسلك بنا الطريق نفسه ولكن نور كلماته يكشف لنا فى كل خطوة عن خفايا جديدة ومزالق غابت عن الأدلاَّء الذين سبقوه على الدرب .. ويخترق بنا المعالى العصيّة ويضئ الغيوب الملفعة بالأسرار وكأنه شعاع ثاقب من النور الإلهى لا يقف أمامه شئ ..
وأى شرح للنفَّرى هو نوع من المصادرة والحجر وهو إفقار وليس إخصاباً لمعانيه ، فكل كلمة من كلمات النفَّرى بحر أعد لكى ينهل منه كل واحد على قدر سعة فهمه وعلى قدر سعة قلبه واستعداد بصره .
وتبسيط النفَّرى للعوام جريمة ، فهو يتلكم للخاصة وخاصة الخاصة وما يلقيه من الكلمات درر لا يعرف قيمتها إلا المشتغلون بالجواهر .. والأعماق التى يبحر إليها ذلك الملاح العظيم يغرق فيها الرجل العامى ويتوه ويضل ويضيع .. ولا أبالغ إذا قلت إن كثيراً من الأسرار التى تعرض لها النفَّرى هى من قبيل العلوم المحظورة على العوام وهى من ذلك العلم المكنون ، المضنون به على غير أهله ..