وأخرج أحمد والطبراني وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس : أنّ هذه الآية لمّا نزلت قالوا : يا رسول اللهَ من قرابتك هؤلاء الذي وجبت علينا مودّتهم ؟
قال : « علي وفاطمة وأبناهما » .
(4) قوله تعالى : ( يوفونَ بالنذرِ وَيَخافونَ يَوماً كانَ شرّه مستطيراً ) .
قال ابن عباس : مرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعادهما عامة العرب ، فقالوا : يا أباالحسن لو نذرتَ على ولديك نذراً .
فقال عليّ : « إن برئا ممّا بهما صمتُ لله عزّ وجلّ ثلاثة أيام شكراً » ، وقالت فاطمة كذلك ، وقالت جارية يقال لها فضة نوبيّة : إن برئا سيّداي صمتُ لله عزّ وجلَّ شكراً .
فاُلبس الغلامان العافية ، وليس عند آل محمّد قليل ولا كثير ، فانطلق عليّ إلى شمعون الخيبري فاقترض منه ثلاثة اصع من شعير ، فجاء بها فوضعها ، فقامت فاطمة إلى صاع
الصحاح الستة ) باباً لما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بحقّ فاطمة الزهراء عليها السلام ، ونحن نقتبس منه بعض الأحاديث ونوردها هنا تعميماً لفائدة .
( 1 ) قال السيوطي في الدر المنظور في ذيل تفسير قوله تعالى : ( سُبحانَ الذي أسرى بعَبدِهِ ليلاً مِنَ المسجِد الحرام ) :
وأخرج الطبراني عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
فطحنته واختبزته ، وصلّى علي مع رسول الله ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم مسكين فوقف على الباب فقال : السّلام عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من أولاد المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله عزّ وجلّ على موائد الجنّة ، فسمعه علي فأمرهم فأعطوه الطعام ، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء .
فلمّا كان اليوم الثاني قامت فاطمة إلى صاع وخبزته ، وصلّى علي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم يتيم فوقف على الباب ، وقال : السّلام عليكم أهل بيت محمّد ، يتيم بالباب من أولاد المهاجرين استشهد والدي أطعموني ، فأعطوه الطعام ، فمكثوا يومين لم يذوقوا إلاّ الماء .
فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته ، فصلّى علي مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم أسير فوقف بالباب وقال : السّلام عليكم أهل بيت النبوّة ، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعمونا ، أطعموني فإني أسير ، فأعطوه الطعام .
ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا إلاّ الماء ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى ما بهم من الجوع ، فأنزل الله تعالى عليه : ( هل أتى على الإنسان حين مِنَ الدهر ـ إلى قوله ـ ولا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكورا ) .
في السنّة النبويّة :
لقد تكرّرت شهادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في فضل فاطمة سلام الله عليها ، وسموّ منزلتها ، وارتفاع مقامها ، حتى أنّ المتتبع يستطيع أن يجمع من أحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم فيها كتاباً كبيراً ، فقد أفرد مؤلّفو الصحاح وموسوعات الأخبار أبواباً في كتبهم لذكر الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وآله وسلم في فضل فاطمة سلام الله عليها .
وقد خصّص العلاّمة السيّد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي في كتابه ( فضائل الخمسة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سبي ، فانطلقت فلم تجده ، فوجدت عائشة فأخبرتها ، فلمّا جاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلينا ، وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبتُ لأقوم ، فقال : على مكانكما ، فقعد بيننا ، حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال : « ألا أعلّمكما خيراً ممّا سألتماني ؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبّرا أربعاً وثلاثين ، وتسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، وتحمدا ثلاثاً وثلاثين ، فهو خير لكم من خادم
إنّ فاطمة سلام الله عليها شكت ما تلقى من أثر الرحى ، فأتي
الصحاح الستة ) باباً لما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بحقّ فاطمة الزهراء عليها السلام ، ونحن نقتبس منه بعض الأحاديث ونوردها هنا تعميماً لفائدة .
( 1 ) قال السيوطي في الدر المنظور في ذيل تفسير قوله تعالى : ( سُبحانَ الذي أسرى بعَبدِهِ ليلاً مِنَ المسجِد الحرام ) (1) : وأخرج الطبراني عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
لمّا اُسري بي إلى السماء اُدخلتُ الجنّة ، فوقفتُ على شجرة من أشجار الجنة لم أرَ في الجنّة أحسن منها ، ولا أبيض ورقاً ، ولا أطيب ثمرة ، فتناولت من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي ، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة ، فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنّة شممتُ ريح فاطمة
( 2 ) روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين بسنده عن سعد بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
أتاني جبريل عليه الصلاة والسّلام بسفرجلة من الجنّة فأكلتها ليلة اُسري بي فعلقتْ خديجة بفاطمة ، فكنتُ اذا اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رقبة فاطمة
( 3 ) وعن ابن عباس ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يكثر القبل لفاطمة عليها السلام ، فقالت له عائشة : إنّك تكثر تقبيل فاطمة .
فقال :
إنّ جبريل ليلة أسري بي أدخلني الجنّة فأطعمني من جميع ثمارها ، فصار ماء في صلبي ، فحملتْ خديجة بفاطمة ، فإذا اشتقتُ لتلكَ الثمار قبّلت فاطمة فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها
( 4 ) وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ابنتي فاطمة حوراء آدميّة لم تحض ولم تطمث ، وإنّما سمّاها فاطمة؛ لأن الله فطمها ومحبيها عن النار
( 5 ) روى الملاّ في سيرته : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : « أتاني جبريل بتفاحة من الجنّة فأكلتها وواقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة » ، فقالت : إنّي حملت حملاً خفيفاً ، فإذا خرجتَ حدّثني الذي في بطني ، فلمّا أرادتْ أن تضع بعثت إلى نساء قريش لتأتينها فيلينَ منها ما تلي النساء ممنّ تلد ، فلم يفعلن وقلن : لا نأتيك وقد صرت زوجة محمّد .
فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف ، فقالت لها إحداهن : أنا اُمّك حواء .
وقالت الاُخرى : أنا آسية بنت مزاحم .
وقالت الاُخرى : أنا كلثم اُخت موسى .
وقالت الاُخرى : أنا مريم بنت عمران اُم عيسى ، جئنا لنلي من أمرك ماتلي النساء .
قالت : فولدت فاطمة سلام الله عليها ، فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها » .
( 6 ) عن عليّ عليه السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة : يا فاطمة تدرين لم سُمّيت فاطمة ؟
قال عليّ عليه السلام : يا رسول الله لم سُمّيت فاطمة ؟
قال : إنّ الله عزّ وجلّ قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة » .
( 7 ) وعن عائشة قالت : ما رأيتُ أحداً أشبه سمتاً ودلاًّ ؟ وهدياً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت : وكانت إذا دخلت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته وأجلسته في مجلسها (1) .
( 8 ) روى مسلم في صحيحه بسنده عن ابن مسعود قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي عند البيت وأبوجهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس ، فقال أبوجهل : أيّكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمّد إذا سجد ؟
فانبعث أشقى القوم فأخذه ، فلمّا سجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وضعه بين كتفيه .
قال : فاستضحكوا ، وجعل بعضهم يميل على بعض ، وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ساجد ما يرفع رأسه ، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة عليها السلام ، فجاءت وهي جويرة فطرحته عنه ، ثم أقبلت عليهم تشتمهم ، فلمّا قضى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم ، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً ، وإذا سأل سأل ثلاثاً :
ثم قال : اللهم عليكَ بقريش ثلاث مرّات ، فلمّا سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ، ثم قال : اللهم عليك بأبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد ابن عتبة ، و اُميّة بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وذكر السابع ولم أحفظ ، فوالذي بعث محمّداً بالحقّ لقد رأيتُ الذين سمّى صرعى يوم بدر ، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر .
( 9 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عمر : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا اخرج في غزاة كان أوّل عهده بفاطمة عليها السلام .
( 10 ) روى البخاري في صحيحه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال :
: إنّ فاطمة سلام الله عليها شكت ما تلقى من أثر الرحى ، فأتي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سبي ، فانطلقت فلم تجده ، فوجدت عائشة فأخبرتها ، فلمّا جاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلينا ، وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبتُ لأقوم ، فقال : على مكانكما ، فقعد بيننا ، حتى وجدت برد قدميه على صدري ، وقال : « ألا أعلّمكما خيراً ممّا سألتماني ؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبّرا أربعاً وثلاثين ، وتسبّحا ثلاثاً وثلاثين ، وتحمدا ثلاثاً وثلاثين ، فهو خير لكم من خادم
( 11 ) روى أبونعيم في حلية الأولياء بسنده عن الزهري قال : لقد طَحنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مجلت يدها وريا وأثر قطب الرحى في يدها .
( 12 ) روى البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة أنّها قالت : أقبلت فاطمة سلام الله عليها تمشي ، مشيتها مشية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « مرحباً بابنتي » ثم أجلسها عن يمينه أو شماله ، ثم أسرّ إليها حديثاً فبكت ، فقلتُ لها : لم تبكين ؟ ثم أسرّ إليها حديثاً فضحكت ، فقلت : ما رأيتُ كاليوم فرحاً أقرب من حزن ، فسألتها عمّا قالت : فقالت : « ما كنتُ لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » .
حتى قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألتها ، فقالت : أسرّ إليّ : جبرئيل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرّة ، وإنّه عارضني مرّتين ، ولا أراه إلاّ حضر أجلي ، وإنّك أوّل أهل بيتي لحاقاً بي فبكيت ، فقال : أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنة ، أو نساء المؤمنين ؟ فضحكتُ لذلك
( 13 ) وروى الترمذي في سننه بسنده عن حذيفة قال : سألتني اُمّي متى عهدك ؟ ـ تعني بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقلت : مالي به عهد منذ كذا وكذا .
فنالت مني ، فقلتُ لها : دعيني آتي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فاُصلي معه المغرب وأسأله أن يستغفر لي ولك . فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلّيت معه المغرب فصلّى العشاء ، ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال : « من هذا حذيفة » ؟
قلت : نعم .
قال : « وما حاجتك غفر الله لك ولاُمك » ؟
قال : « إنّ هذا ملك لم ينزل الأرض قطّ قبل هذه الليلة ، استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشرني بأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة ، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة » (1) .
( 14 ) روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال ـ وهو في مرضه الذي توفّي فيه ـ : يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين ، وسيّدة نساء هذه الاُمة ، وسيّدة نساء المؤمنين ؟