فروعُ الشاذليةِ
بعد أبى العباس المرسى أول خليفة للشيخ أبى الحسن ، تولى المشيخة تلميذه الأشهر : ابن عطاء الله السكندرى .
. الذى يُعرف عند الشاذلية بلقب : حكيم الصوفية . وقد عُرف ابن عطاء بهذا اللقب، استناداً إلى كتابه البديع : الحكم.
يعد كتاب الحكم العطائية واحداً من أشهر المتون الصوفية التى تلخص المفاهيم الصوفية ، بلغة رمزية عالية البلاغة .
وهو تطوير لهذا اللون الأدبى الخاص، الذى نجده لدى صوفية سابقين
، من أمثال : الحلاج (أبى المغيث الحسين بن منصور ، المتوفى 309 هجرية) النفَّرى
(محمد بن عبد الجبار ، من أهل القرن الخامس) الجيلانى (الإمام عبد القادر ، المتوفى 561 هجرية)
ابن عربى (الشيخ الأكبر محيى الدين ، المتوفى 638 هجرية) .
وقد اعطى ابن عطاء دفعةً كبيرة للطريقة الشاذلية باعتباره أول (وأكبر) مؤلف شاذلى ،
فبالإضافة إلى كتابه الحكم ترك ابن عطاء الله السكندرى بين يدى الناس مؤلفات طالما اعتز بها الصوفية شاذلية كانوا أم غير شاذلية ،
مثل : التنوير فى إسقاط التدبير ، تاج العروس ، لطائف المنن فى مناقب الشيخ أبى العباس المرسى وشيخه أبى الحسن الشاذلى .
وقد حظى كتاب الحكم العطائية ، من بعد وفاة مؤلفه (سنة 709 هجرية) بعديد من الشروح
، أشهرها : ابن عباد الرُّندى ، شرح أحمد زرُّوق ،
شرح عبد المجيد الشرنوبى،شرح محمد بن أبى العلا، شرح ابن عجيبة الحسنى، شرح البريفكانى.
ومن بعد ابن عطاء الله ، حظيت الشاذلية بكبار المشايخ الذين انتسبوا للطريقة على امتداد القرون التالية ،
وهكذا تفرَّعت الطريقة إلى (طرق) فرعية، ينتسب كل فرع منها إلى الشاذلى - أولاً - ثم إلى الشيخ الفرعى المقتبس من الشاذلى .
ويجمع بين تلك الفروع ، التقديرُ العظيم - والمبالغ فيه أحياناً - للشيخ أبى الحسن
، كما تجمعهم تلك (الأحزاب) التى أوردناها فيما سبق، وقبل ذلك وبعده: التمسك بظاهر الشريعة الإسلامية ،
والجمع بين الفقه والتصوف؛ مثلما كان حال شيخهم الشاذلى ، الذى أُثر عنه قوله :
حسبك من العلم ، العلم بالوحدانية، ومن العمل تأدية الفرائض مع محبة الله ورسوله واعتقاد الحق للجماعة،
فإن المرء مع من أحب، ولو قصَّر فى العمل .
وهناك سمةٌ خاصة بالشاذلية ، هى أنهم على اختلاف الفروع التى ينتمون إليها،
لايرون فى التصوف باباً لإهمال المظهر الخارجى للصوفى،
وهم يقتدون فى ذلك بشيخهم أبى الحسن الذى كان يحسن لباسه ومظهره، ويأخذ زينته عند كل مسجد،
ويتحلَّى دائماً بالثياب الحسنة ، قائلاً : اعرف الله، وكن كيف شئت..
ومن الوقائع الدالة فى هذا الإطار، ما يرويه الشاذلية من أن أحد مريدى الشاذلى،
أراد أن يُظهر (التقوى) فراح يشرب الماء ساخناً فى يومٍ شديد الحر، وتَرَكَ الماء البارد ! فنهاه الشيخ أبو الحسن عن ذلك،
وقال : يابنى اشربْ الماء البارد ، فإذا حمدت الله استجاب كل عضو منك بالحمد لله .
وعلى هذا النهج الذى رسمه أبو الحسن الشاذلى ، سارت الطريقة الشاذلية من بعده ثمانية قرون،
حفلت فيها بما لاحصر له من كبار المشايخ الذين انتسبوا لهذه الطريقة، مثل
: ياقوت العرشى ، والبوصيرى ، وأبى المواهب الشاذلى ، وأبى العزائم ماضى .. وفى الإسكندرية ،
حيث مسجد الخليفة الأول للشاذلية (أبى العباس المرسى) جماعة من كبار مشايخ الشاذلية، مدفونين فى مساجد محيطة بمسجد (المرسى) الكبير .
ومن الفروع المشهورة للشاذلية ، فى مصر :
العزمية ، البكرية، السلامية، الخواطرية ، الجوهرية ، الوفائية ، الحامدية، الفيضية، الهاشمية ، السمانية ، العفيفية، العروسية . . وغيرها.
فى بلاد المغرب : الجازولية ، الدرقاوية ، الناصرية، العيسوية، الصداقية، الزَّرُّوقية ، الحمادية ، الخضرية ، التابعية .. وغيرها .
وبعض هذه الفروع، انبثق مباشرةً من الطريقة (الأم) وبعضها الآخر انبثق عن (فروع) من فروع الطريقة .
. وكلهم للشيخ أبى الحسن الشاذلى منتسبٌ، وكلهم من رسول الله ملتمسٌ .
المصادر والمراجع
1- ترمنجهام : الفرق الصوفية فى الإسلام، ترجمة د. عبد القادر البحراوى (دار النهضة العربية-بيروت 1997)
2- د. عامر النجار : الطرق الصوفية فى مصر، نشأتها ونظمها وروادها (دار المعارف - القاهرة ، الطبعة الثالثة 1986)
3- د. عبد الحليم محمود : المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلى (دار الكتب الحديثة ، القاهرة)
4- عمر كحالة : معجم المؤلفين (مؤسسة الرسالة - بيروت 1993)
5- د. عبد المنعم الحفنى : الموسوعة الصوفية (دار الرشاد - القاهرة 1992)
6- ابن عياد : المفاخر العلية فى مآثر الشاذلية (مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة 1412هـ)
7- المناوى : الكواكب الدرية فى مناقب السادة الصوفية، تحقيق د. عبد الحميد صالح حمدان (المكتبة الأزهرية للتراث - القاهرة 1994)
8- ابن منظور : لسان العرب (دار لسان العرب - بيروت)
.. كما يمكن الرجوع إلى : درة الأسرار ، لابن الصباغ - لطائف المنن، لابن عطاء الله السكندرى - الأعلام ، للزركلى - معجم المؤلفين ، لكحالة - طبقات الشعرانى - السلسبيل المعين فى الطرائق الأربعين، للسنوسى (مخطوطة بمكتبة بلدية الإسكندرية)
----------
(1) السلسلة : مصطلحٌ صوفىٌّ يراد به عملية تلقى المشايخ ، سابقاً عن سابق وتنتهى السلاسل الصوفية -غالباً- عند الإمام علىّ بن أبى طالب .
(1) ابن عياد : المفاخر العلية (مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة 1412 هـ) ص 3 :4.
(2) المرجع السابق ، ص 10.
(3) يُعرف هذا النوع من حوار الصوفية مع ربهم ، بالمخاطبة .. ويسمى بالخطاب الفهوانى وهى كلمة مشتقة من قولهم فاه إذا تكلم . راجع بخصوص ذلك ، الفصل الثالث من كتابنا : المتواليات ، دراسات فى التصوف (الدار المصرية اللبنانية - القاهرة 1997)
(1) المقصود بالخروج عن (العلم والعمل ) التجرُّد التام من العلائق الدنيوية والتهيؤ للفيوضات والمعارف الربانية .
(2) انظر نص الرواية فى: درة الأسرار ص 23 - المفاخر العلية ص 12- المدرسة الشاذلية ص 22.
(1) المفاخر العلية ، ص 11.
(2) المدرسة الشاذلية ، ص 26.
(1) المرجع السابق ، ص 30.
(2) حدَّثنى السيد الفاضل / حسن عباس زكى، وهو من أعلام الشاذلية فى مصر ، أنهم انتهوا مؤخراً من تجديد (مقام) الشيخ ، وعبَّدوا الطريق المتجه إليه .
(3) نسب عمر كحالة إلى الشيخ : الاختصاص من القواعد القرآنية والخواص ،
رسالة الأمين لينجذب لرب العالمين ، السر الجليل فى خواص حسبنا الله ونعم الوكيل = ال
جواهر المصونة واللآلى المكنونة ، كفاية الطالب الربانى لرسالة أبى زيد القيروانى ،
المقدمة العزية للجماعة الأزهرية (معجم المؤلفين 2/468) ..
وفى صحة نسبة هذه المؤلفات للشيخ ، نظرٌ ! ولعلها من إملاءات الشيخ .. غير أن تلامذته المباشرين ، لم يذكروها .
(1) ابن منظور : لسان العرب (مادة : وِرْد)
(1) سورة الأحزاب ، الآية 13.
(2) سورة مريم ، الآية الأولى .. وللصوفية فى هذه الحروف - أوائل السور - مباحث مطولة ، ومكاشفات .
(3) سورة يس ، آية 66، 67 .
(4) سورة يس ، الآيات الأولى .
(1) سورة الرحمن ، آية 19 ، 20 .
(2) سورة غافر ، الآيات الأولى .
(3) سورة البقرة ، آية 137 .
(4) سورة البروج ، آية 21، 22.
(5) سورة يوسف ، آية 64 .
(6) سورة الأعراف ، آية 196.
(1) سورة التوبة ، آية 129.
(2) سورة الأنعام ، آية 54.
(3) سورة الأنعام ، آية 101 : 103.
(1) سورة طه ، الآيات الأولى .
(1) سورة البقرة ، آية 255 (آية الكرسى)
(1) سورة الأعراف ، آية 23.
(2) سورة البقرة ، آية 255.
(3) سورة المؤمنون، آية 115 : 118.
(1) سورة غافر ، آية 65.
(2) سورة الأحزاب ، آية 56.
(3) سورة الصافات ، آية 180 : 182.
(4) هناك طبعات لاحصر لها لهذه الأحزاب الثلاثة .. وقد اعتمدنا هنا ،
على الصورة التى أوردها بها الدكتور عبد الحليم محمود فى كتابه المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلى
(دار الكتب الحديثة ، القاهرة ، بدون تاريخ)
(1) المناوى : الكواكب الدرية فى طبقات السادة الصوفية ، ت
حقيق د. عبد الحميد صالح حمدان (المكتبة الأزهرية للتراث - القاهرة 1994) ص 127.
(2) د. عبد المنعم الحفنى : الموسوعة الصوفية (دار الرشاد - القاهرة 1992) ص 230.
(1) راجع الحصر الذى قام به كل من : ترمنجهام (الفرق الصوفية ص 409 وما بعدها )
عامر النجار (الطرق الصوفية ص 211 ، 212 ) .. وكلا الحصرين يحتاج لمراجعة ،
حيث تتداخل الفروع مع طرق أخرى ، وتتشابه التسميات .. ولاتزال (الفروع الشاذلية)
بحاجة إلى دراسة خاصة توضِّح تشعُّباتها وسمات كل فرعٍ منها .
-------
السيد عبد الرازق
--------
و صلي الله علي سيدنا محمد و علي آله و صحبه و سلم